مع كل النجاح الذي أثاره روبوت (ChatGPT)؛ لا عجب أن تتسابق الشركات للحصول على حصة في سوق روبوتات الدردشة التفاعلية (Chatbots) الذي من المتوقع أن يصل حجمه إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2032، بعدما كان حجمه 800 مليون دولار في عام 2022 فقط.
تراهن الشركات على أننا في مرحلة حاسمة في صناعة الذكاء الاصطناعي، إذ يمكن أن تتمتع المنتجات القائمة على الذكاء الاصطناعي بالقدرة على إعادة تشكيل التكنولوجيا كما نعرفها، ناهيك عن تغيير التسلسل الهرمي لشركات التكنولوجيا الكبيرة. لذلك لا تريد كبرى شركات التكنولوجيا التخلف عن الركب في ثورة الذكاء الاصطناعي التي بدأت بالفعل، على الرغم من أن المخاطر كبيرة.
في حين أن عمالقة التكنولوجيا مثل: مايكروسوفت وجوجل قد قدموا بالفعل إصداراتهم من روبوتات الدردشة التي طُورت باستخدام نماذج اللغة الكبيرة (LLMs)، فقد ألقت شركات أخرى أقل شهرة بنفسها في هذه الضجة لمواكبة حقبة الذكاء الاصطناعي الجديدة التي نشهدها حاليًا.
لذلك سنستعرض اليوم أبرز الشركات وروبوتات الدردشة التفاعلية التي تتطلع إلى تحدي ChatGPT أو الاستفادة من نجاحه:
1- شركة مايكروسوفت:
ساعد روبوت ChatGPT شركة مايكروسوفت على التقدم بخطوة في سباق الذكاء الاصطناعي الحالي، فتقريبًا كل يوم تقدم أشياء جديدة في منتجاتها، كما صرح (ساتيا ناديلا) المدير التنفيذي لمايكروسوفت يوم 7 فبراير 2023 قائلًا: “لقد بدأ السباق اليوم، سوف نتحرك بسرعة، وكل يوم سنخرج أشياء جديدة”.
أعلنت مايكروسوفت أمس عن إدماج تقنية ChatGPT في مجموعة تطبيقات الأعمال الخاصة بها، التي تشمل: منصة (Power Platform) التي تتيح للمستخدمين إنشاء التطبيقات ومهام سير العمل بأقل عدد من السطور البرمجية، ومجموعة Dynamics 365 التي تضم أدوات تخطيط موارد المؤسسات (ERP) وأدوات إدارة علاقات العملاء (CRM).
كما أعلنت يوم الخميس الماضي عن تحديث جديد لنظام ويندوز 11 أدمجت فيه ميزة الدردشة لمحرك بينج الجديد في شريط المهام لنظام التشغيل.
وخلال الأسابيع الماضية؛ أطلقت إصدارًا مُحدثًا من ChatGPT في محركها للبحث بينج الذي يعد بإحداث تغيير في الطريقة التي نبحث بها عبر الإنترنت، كما قامت أيضًا ببناء أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي في متصفحها إيدج (Edg). ثم أطلقت تطبيق محرك البحث بينج ومتصفح إيدج للأجهزة المحمولة، بالإضافة إدماجه في تطبيق التراسل سكايب.
تخطط مايكروسوفت لإضافة تحسينات تستند إلى الذكاء الاصطناعي في متصفح إيدج، تتيح لك تلخيص صفحة الويب أو المستند الذي تقرأه عبر الإنترنت، بالإضافة إلى إنشاء نص يمكن مشاركته عبر منصات التواصل الاجتماعي ورسائل البريد الإلكتروني وغير ذلك.
وبسبب سرعة مايكروسوفت في إدماج إمكانيات الذكاء الاصطناعي في منتجاتها بالرغم من مخاطره، يعتقد الكثيرون أن مايكروسوفت هي من خططت لهذه الثورة الحالية التي نشهدها في مجال الذكاء الاصطناعي في محاولة منها للقضاء على هيمنة شركة جوجل على سوقي متصفحات الويب ومحركات البحث.
فقد تعلمت مايكروسوفت الدرس جيدًا في عام 2016 من تجربتها مع روبوت الدردشة (Tay) الذي أوقفته عن العمل في غصون 16 ساعة من إطلاقه، بسبب انتقادات لاذعة للشركة بعد أن بدأ الروبوت بنشر تغريدات عنصرية ومسيئة، ووفقا لمايكروسوفت فإن السبب في ذلك المستخدمون الذين علّموا الروبوت إجابات مسيئة، كما قالت إن الروبوت تعرض لحملة ممنهجة لإفساده.
بينما في 2022؛ اعتمدت مايكروسوفت على شركة OpenAI لتقديم روبوت ChatGPT وبعد نجاحه الباهر، رفعت استثماراتها في شركة (OpenAI) لتصل إلى 10 مليارات دولار، وتعمل حاليًا على إدماج إمكانيات ChatGPT في كافة منتجاتها تقريبًا.
2- شركة جوجل:
دفعت السرعة التي تتحرك بها شركة مايكروسوفت في مجال الذكاء الاصطناعي شركة جوجل إلى الإعلان عن روبوت الدردشة (بارد) Bard المفترض أنه سيكون المنافس الأول لروبوت ChatGPT، ولكنها ما زالت تختبره مع مجموعة صغيرة من المختبرين الموثوق بهم، ولم تطلقه لعموم المستخدمين بعد.
طورت جوجل روبوت (بارد) للرد على الاستفسارات والطلبات المختلفة بطريقة المحادثة، إذ سيعمل بشكل مشابه لروبوت ChatGPT، مع اختلاف في أنه يسحب معلوماته من الويب.
تقول جوجل إنه يمكن استخدام روبوت (بارد) في مجموعة من المهام، مثل: التخطيط لحفل استقبال المولود الجديد، ومقارنة فيلمين رُشّحا لجائزة الأوسكار، والحصول على أفكار لوصفات طعام بناءً على المكونات الموجودة في ثلاجتك.
ولكن كان إعلان جوجل أكثر عشوائية من إعلان شركة مايكروسوفت عن إدماج ChatGPT في محركها للبحث بينج، لدرجة أن موظفي جوجل انتقدوا الشركة بسبب ذلك في الرسائل الداخلية، وأشارت التقارير إلى أن جوجل خسرت 100 مليار دولار من قيمتها السوقية مع إغلاق الأسواق يوم 8 فبراير 2023.
3- شركة ميتا Meta:
تضع شركة (ميتا) Meta – الشركة الأم لكل من فيسبوك وإنستاجرام وواتساب – أنظارها أيضًا على سوق الذكاء الاصطناعي، فقد طورت (Galactica) وهو روبوت الدردشة المصمم لتقديم المساعدة للعلماء والباحثين عن طريق تلخيص المقالات الأكاديمية، وإيجاد حلول لمشاكل الرياضيات، وشرح (الجزيئات) Molecules ببساطة، وغير ذلك الكثير.
وقالت شركة ميتا إنها دربت الروبوت على أكثر من 48 مليون ورقة علمية وكتاب ومجلة ومواد كيميائية ومصادر أخرى للمعرفة العلمية، وبالرغم من ذلك قدم الروبوت نتائج مخيبة للآمال عندما أتاحته الشركة في نسخة تجريبية عامة في نوفمبر الماضي. إذ انتقد المجتمعُ العلمي الروبوت بشدة ووصفه أحد العلماء بأنه أداة خطيرة بسبب استجاباته غير الصحيحة أو المنحازة، لذلك سحبته الشركة بعد بضعة أيام فقط من إطلاقه.
لا يُعد روبوت (Galactica) أول خطوة للشركة في سوق روبوتات الدردشة، فقد أطلقت أيضًا (BlenderBot 3) في أغسطس الماضي، وهو روبوت محادثة يمكنه البحث في الإنترنت للتحدث عن أي موضوع تقريبًا، لذلك كان من المفترض أن يعمل كمساعد رقمي ويرد على استفسارات المستخدمين كما يعمل مساعد جوجل.
ولكن كانت إجابته سيئة جدًا، وما زال متاحًا على الإنترنت، على الرغم من أنه يتحدث بشكل سيئ عن مارك زوكربيرج الرئيس التنفيذي لشركة ميتا ويقول جميع أنواع الأشياء المسيئة.
لا يزال لدى شركة ميتا الكثير في مجال الذكاء الاصطناعي، فقد أعلن مارك زوكربيرج في نهاية شهر فبراير 2023 أن الشركة أنشأت فريقًا مخصصًا للذكاء الاصطناعي سينشئ في النهاية “شخصيات ذكاء اصطناعي” AI personas مصممة لمساعدة الأشخاص، بالإضافة إلى تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي القائمة على النصوص والصور التي يمكن تضمينها في واتساب وإنستاجرام ومسنجر.
4- شركة Anthropic:
تعمل (Anthropic) – وهي شركة أبحاث للذكاء الاصطناعي أسسها موظفون سابقون في شركة (OpenAI) في عام 2021 – على تطوير منافس لروبوت ChatGPT يُسمى (Claude) ولكنها لم تطلقه لعموم المستخدمين بعد.
استثمرت شركة جوجل 300 مليون دولار في شركة Anthropic في أواخر عام 2022، وقد طورت الشركة روبوت المحادثة باستخدام منهجية تسميها (الذكاء الاصطناعي الدستوري) Constitutional AI، ونشرت ورقة بحثية حول هذه المنهجية.
مُنحت منصة (Scale) لبيانات الذكاء الاصطناعي إمكانية الوصول إلى Claude، وقد حددت بعض الاختلافات بين روبوت Claude وروبوت ChatGPT ووجدت أن روبوت Claude يمكن أن يكون منافسًا قويًا لروبوت (OpenAI)، وأنه كان أكثر ميلًا لرفض الطلبات غير الملائمة.
ومع ذلك، فإنه يأتي مع بعض العيوب؛ إذ لا يزال روبوت Claude يرتكب بعض الأخطاء مثل: الأخطاء الرياضية. في الوقت الحالي لا يمكن لعموم المستخدمين الوصول إلى روبوت Claude، فهو متاح فقط للشركات كمنتج يمكن الوصول إليه باكرًا.
5- شركة You.com:
أسس شركة (You.com) اثنان من موظفي (Salesforce) السابقين. وبهدف تطوير محرك بحث جديد يُسمى (You.com) يعتمد في عمله على الذكاء الاصطناعي إلى منافسة محرك جوجل المهيمن على السوق.
تقول الشركة إنه يمكنك التحكم فيه، إذ تظهر صفحات نتائج البحث كأدوات تفاعلية Widgets، فإذا كنت تثق في مصدر معين، على سبيل المثال: موقع Stack Overflow للبرمجة، أو BBC News للأخبار، أو Yelp للحصول على معلومات حول الأماكن، فيمكنك إضافته في تجربة البحث الخاصة بك.
كما قدمت الشركة في نهاية شهر ديسمبر 2022 روبوت دردشة تفاعلية يُسمى (YouChat) يعتمد في عمله على الذكاء الاصطناعي – على غرار ChatGPT – في محرك البحث (You.com)، إذ يمكنه الإجابة عن الأسئلة وإجراء محادثات مع المستخدمين حول أي موضوع.
تقول الشركة إن روبوت الدردشة (YouChat) يستند في عمله إلى النموذج اللغوي (C-A-L) الخاص بها، ويمكنه تقديم إجابات مشروحة لأنواع مختلفة من الاستعلامات، وإنشاء ملخصات للمقالات من الويب، وإنشاء التعليمات البرمجية، وكتابة المقالات، وغير ذلك الكثير من المهام.
6- شركة Alibaba:
تحاول شركات التكنولوجيا الصينية مواكبة ChatGPT – ولكن بحذر بسبب رقابة التنظيمات والرقابة على المحتوى في الصين – وأبرزها شركة (علي بابا) Alibaba عملاقة التجارة الإلكترونية.
في بداية شهر فبراير الماضي؛ أخبر متحدث باسم الشركة شبكة (CNBC) أن الشركة تختبر منافس ChatGPT داخليًا. ويقال إن شركة (علي بابا) كانت تختبر الذكاء الاصطناعي التوليدي منذ عام 2017، لكنها لم تقدم حتى الآن أي فكرة عن الوقت الذي يمكنها فيه الإعلان عن الأداة التي تعمل عليها أو ما قد تكون قادرة عليه.
ومع ذلك، قد يتعين على شركة (علي بابا) التغلب على بعض العقبات قبل أن تقدم نسختها الخاصة من ChatGPT؛ إذ يشير تقرير من (Nikkei Asia) إلى أن المنظمين الصينيين أبلغوا بالفعل شركات Tencent و Ant Group المملوكة لشركة علي بابا أنه يجب عليهم تقييد الوصول إلى نسختهم من ChatGPT بسبب مخاوف من أن الروبوت قد يتبنى محتوى غير خاضع للرقابة.
كما سيتعين على الشركة أيضًا التشاور مع الحكومة قبل إتاحة نسخة روبوت الدردشة الخاصة بها للجمهور. من المحتمل أن تنطبق قواعد مماثلة على جميع الشركات الصينية الأخرى التي تُطوّر روبوتات دردشة تفاعلية.
7- شركة Baidu:
تستعد شركة صينية أخرى وهي شركة (بايدو) Baidu لإطلاق روبوت الدردشة (Ernie Bot) في أقرب وقت في شهر مارس الحالي، لتحسين تجربة البحث عبر الإنترنت باستخدام الذكاء الاصطناعي.
تشتهر شركة بايدو بمحرك البحث الذي يحمل الاسم نفسه، إلى جانب مجموعة من الخدمات الأخرى المتعلقة بالإنترنت، مثل: خدمة الخرائط (Baidu Maps)، وموسوعة (Baidu Baike)، وخدمة التخزين السحابي (Baidu Wangpan)، وغير ذلك الكثير. كما أنها تستفيد من تقنية الذكاء الاصطناعي لتطوير سيارة ذاتية القيادة.
ظهر روبوت (Ernie) لأول مرة في عام 2019، وطورته الشركة منذ ذلك الحين ليشبه ChatGPT، إذ يمكنه توليد استجابات محادثة شبيهة بالبشر. وفي أواخر عام 2021 قالت بايدو إنها دربت النموذج على بيانات ضخمة غير منظمة وأنه يتفوق في كل من فهم اللغة الطبيعية (NLU)، وتوليد اللغات الطبيعية (NLG).
تخطط بايدو لإدماج روبوت الدردشة في محرك البحث الخاص بها تمامًا مثل: جوجل ومايكروسوفت، وستقوم أيضًا بإدماجه في واجهة السيارات الكهربائية القادمة التي تصنعها شركة Jidu الصينية.
بالإضافة إلى ذلك؛ تعمل شركة بايدو أيضًا على تطوير أداة لتحويل النصوص إلى صور تُسمى (Ernie ViLG) على غرار أداة DALL-E 2) التابعة لشركة (OpenAI).
8- شركة Character.AI:
أسس شركة (Character.AI) الباحثان السابقان لدى جوجل، دانيال دي فريتاس، ونعوم شزير، اللذان شاركا في تطوير النموذج اللغوي الكبير (LaMDA) التابع لجوجل.
تتيح لك أداة (Character.AI) التحدث مع نسخة رقمية لأي شخص تقريبًا، سواء كان حيًا أو ميتًا، حقيقيًا أو خياليًا، مثل: إيلون ماسك، ومارك زوكربيرج، وتوني ستارك. عند التحدث مع هذه الروبوتات يحاول الذكاء الاصطناعي الاستجابة بطريقة مشابهة لشخصية هذا الشخص الذي اخترت إجراء حوار معه.
ولكن ليس هذا هو الشيء الوحيد الذي تستطيع هذه الأداة القيام به، إذ يمكنها المساعدة في تقديم توصيات حول الكتب، وطرح الأفكار، وممارسة لغة جديدة، وغير ذلك الكثير.
9- المنافسون الآخرون المحتملون:
بصرف النظر عن الشركات التي تصنع روبوتات دردشة مستقلة من أجل تطوير البحث عبر الإنترنت، هناك عدد قليل من الشركات الأخرى التي تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي بطرق مختلفة قليلًا.
على سبيل المثال؛ تعمل شركة سناب شات على روبوت دردشة يُسمى (My AI) سيعمل كإصدار من ChatGPT داخل التطبيق، مما يسمح للمستخدمين بطلب اقتراحات الوصفات أو التخطيط للرحلات.
ولكنه سيكون أكثر تقييدًا من ChatGPT، إذ دُرب لتجنب خرق إرشادات الثقة والأمان الخاصة بسناب شات. هذا الروبوت متاح الآن للمشتركين في خدمة (سناب شات بلس)، لكن (إيفان شبيجل) الرئيس التنفيذي للشركة يخطط لتقديمه في النهاية لجميع المستخدمين.
وفي الوقت نفسه، أعلنت شركة الألعاب الصينية (NetEase) أن شركتها الفرعية (Youdao) تخطط لإدماج أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي في بعض منتجاتها التعليمية، وفقًا لتقرير صادر عن CNBC.
حتى الآن لم تعلن الشركة عن ما ستفعله هذه الأدوات بالضبط، ولكن يبدو أن الشركة مهتمة بتوظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في إحدى ألعابها القادمة أيضًا.