توقع صندوق النقد الدولي أن الإقراض المصرفي الخفيف الناجم عن الفشل الأخير لبنكين أميركيين متوسطي الحجم سيبطئ النمو الاقتصادي الأميركي هذا العام، محذراً من أن ارتفاع أسعار الفائدة قد يشكل تهديداً للنظام المالي العالمي.
وفي أحدث تقرير عن الاستقرار المالي العالمي قال صندوق النقد الدولي إن “قدرة الإقراض للبنوك الأميركية ستنخفض بنسبة واحد في المئة هذا العام”، مرجعاً ذلك إلى انخفاض قيمة عديد من أسهم البنوك، إذ يعيد المستثمرون تقييم صحة البنوك متوسطة الحجم.
وتوقع أن “يؤدي هذا الخفض في الإقراض إلى خفض 0.44 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في عام 2023″، مؤكداً أن “البنوك الإقليمية والصغيرة في الولايات المتحدة تمثل أكثر من ثلث إجمالي الإقراض المصرفي”، مشيراً إلى تقليص مخصصات الائتمان يمكن أن يكون له تأثير مادي في النمو الاقتصادي والاستقرار المالي.
وفي تقرير منفصل صدر أمس توقع الصندوق أن يتوسع الاقتصاد الأميركي الأكبر في العالم بنسبة 1.6 في المئة هذا العام، منخفضاً من من 2.1 في المئة في العام الماضي.
وحول الاقتصاد العالمي قدر الصندوق أن ينمو بنسبة 2.8 في المئة هذا العام، وهو ما يمثل تباطؤاً من 3.4 في المئة العام الماضي، إذ تواصل الدول التعافي من الركود الناجم عن الوباء والحرب في أوكرانيا.
وقال الصندوق الدولي إن “النمو العالمي مدعوماً من الصين التي أعادت فتح اقتصادها بعد عمليات إغلاق طويلة بسبب الجائحة”، مشيراً إلى أن التضخم في الصين تراجع للشهر الثاني على التوالي في مارس ، مما يشير إلى قوة الانتعاش في البلاد.
وأضاف الصندوق إن “المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي تشمل القطاع المصرفي المتقلب وارتفاع التضخم وارتفاع أسعار الفائدة”.
يشار إلى أن بنك “وادي السيليكون” تهاوى في مارس الماضي، مع سحب المودعين أموالهم وسط خسائر كبيرة غير محققة في استثماراته طويلة الأجل في سندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري، كما أن هذه الأصول التي تم شراؤها عندما كانت أسعار الفائدة منخفضة للغاية فقدت قيمتها مع رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي الأميركي) أسعار الفائدة بسرعة خلال العام الماضي لمحاربة التضخم المرتفع.
انهيارات المصارف أثارت المخاوف بين بعض المودعين بشأن صحة البنوك الصغيرة ومتوسطة الحجم، إذ كسب أكبر 25 بنكاً أميركياً ودائع بقيمة 120 مليار دولار في الأيام التي أعقبت انهيار بنك “وادي السيليكون”، وفقاً لبيانات بنك الاحتياطي الفيدرالي، كما خسرت جميع البنوك الأميركية التي تقل عن هذا المستوى 108 مليارات دولار خلال الفترة نفسها، وكان هذا أكبر انخفاض أسبوعي في ودائع البنوك الأصغر من حيث القيمة الدولارية على الإطلاق.
إلى ذلك يمكن أن يكون لتقلبات الودائع تداعيات على المجتمعات التي تخدمها البنوك الأصغر إذا انخفض الإقراض، ونتيجة لذلك قد تضطر البنوك أيضاً إلى البدء في دفع أسعار فائدة أعلى للمودعين وقد تميل إلى تكديس النقود في حال التدفقات المستقبلية، مما قد يؤدي إلى أزمة ائتمانية في عديد من الأماكن.
وقال بعض الاقتصاديين إن الاقتصاد الأميركي قد يتعرض لضربة أو يدخل في حال ركود هذا العام، بفعل انخفاض الإقراض من البنوك الأصغر.
وكانت وزيرة الخزانة جانيت يلين قد قالت أمس إن “الاقتصاد الأميركي ظل قوياً بعد الاضطرابات المصرفية”، مضيفة أنه “لم أر حقاً دليلاً في هذه المرحلة يشير إلى انكماش في الائتمان، على رغم أن هذا احتمال”.
وتابعت “أعتقد أن نظامنا المصرفي لا يزال قوياً ومرناً”، مؤكدة أنني “لا أتوقع حدوث تراجع في الاقتصاد، على رغم أن هذا لا يزال يمثل مخاطرة بالطبع”.
في غضون ذلك رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة الشهر الماضي بمقدار ربع نقطة مئوية للحد من التضخم عن طريق تباطؤ الاقتصاد، وقال رئيس البنك غيروم باول إنه “سيراقب أية إشارات على تراجع أي إقراض يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد”، مما يشير إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لن يضطر إلى رفع أسعار الفائدة بالقدر نفسه، متسائلاً “ما مدى أهمية هذا التشديد الائتماني؟”، مضيفاً أن “التأثيرقد يكون حقيقياً تماماً”.
وقال صندوق النقد الدولي أمس إن “التضخم المرتفع وزيادة أسعار الفائدة سيستمران في تشكيل خطر على الاقتصاد العالمي”، مشيراً إلى أنه “بعد سنوات من الاقتراض الرخيص للغاية، قد تكافح عديد من المؤسسات المالية للتكيف مع أسعار الفائدة المرتفعة، وهي نتاج أعلى معدل تضخم منذ عقود”.
وقال صندوق النقد الدولي إن “السؤال الأساسي الذي يواجه المشاركين في السوق وصناع القرار هو ما إذا كانت الأحداث الأخيرة تنذر بوجود ضغوط أكثر منهجية ستختبر مرونة النظام المالي العالمي”، مشيراً إلى أن “مزيداً من الضغوط المالية وتشديد الائتمان قد يكون لهما عواقب واسعة على الاقتصادات الكبيرة والصغيرة، وكذلك على البنوك المركزية المكلفة بخفض معدلات التضخم المرتفعة”.
ولم يستبعد الصندوق إمكانية مواجهة البنوك المركزية لمقايضات بين محاربة التضخم وحماية الاستقرار المالي، وقد شجع صندوق النقد الدولي صانعي السياسات على التعبير بوضوح عن التزامهم بخفض التضخم.
وأشارت مؤسسة الإقراض الدولية إلى أن “أحد مصادر المخاطر المتزايدة يكمن في قطاع العقارات التجارية، إذ تواجه الشركات تقييمات أقل للعقارات وتكافح للعثور على مستأجرين، بعد أن أدى الوباء إلى تحويل مزيد من العمل بعيداً من مباني المكاتب، مما يثير احتمال حدوث مزيد من حالات التخلف عن السداد، التي بدورها يمكن أن تشكل مشكلات للبنوك التي أقرضت الأموال للعقارات التجارية”.
وقال الصندوق إن “التقاء ارتفاع أسعار الفائدة والطلب الهيكلي المنخفض على حقوق الملكية الفكرية يزيد من مخاطر حدوث تصحيح أوسع في تقييم العقارات التجارية”.
كما لفت إلى أن تحرك بنك الاحتياطي الفيدرالي لتقليص حيازاته من سندات الخزانة، إضافة إلى المأزق السياسي بشأن رفع حد الدين، الذي يمكن أن يشكل تحديات لسوق الخزانة الذي يعاني بالفعل نوبات من عدم السيولة والتقلب.
وقال صندوق النقد الدولي في تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي إن “الاقتصادات الأميركية والأوروبية ترى نموها مدعوماً بطلب المستهلكين المرن وأسواق العمل القوية”، لافتاً إلى توسع الأسواق الناشئة بوتيرة أسرع من البلدان الغنية، متوقعاً أن تنتهي أزمة سلسلة التوريد التي شوهدت أثناء الوباء وبعد الهجوم الروسي على أوكرانيا.
على رغم ذلك إلا أن توقعات الصندوق على المدى الطويل لا تزال قاتمة، إذ لا يزال الاقتصاد العالمي مثقلاً بآثار الحرب في أوكرانيا والتنافس المتزايد بين الولايات المتحدة والصين، محذراً التفتت الاقتصادي أو تفكك النظام التجاري العالمي إلى كتل متنافسة تضم إما الولايات المتحدة وحلفائها أو الصين وروسيا وحلفائهم.
وقالت يلين يوم الثلاثاء إنها تعتقد أن الاقتصاد العالمي أثبت قدرته على الصمود وسط الرياح المعاكسة، مضيفة أنني “لن أبالغ في السلبية بشأن الاقتصاد العالمي”، قائلة “أعتقد أن البلدان أثبتت قدرتها على الصمود، لذلك أعتقد أننا يجب أن نكون أكثر إيجابية”، ولكنها في الوقت ذاته اعترفت بوجود مخاطر.
وحول السنوات الخمس المقبلة يتوقع صندوق النقد الدولي نمواً اقتصادياً عالمياً بنسبة ثلاثة في المئة في عام 2028، وهو أدنى توقع منذ عقود.