قال صندوق النقد الدولي في بيان اليوم الأحد إن مباحثاته مع مصر ستستمر افتراضيا قبل بدء المراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح المصري.
ووصف البيان المناقشات بين صندوق النقد الدولي ومصر استعدادًا للمراجعة بأنها “مثمرة”.
وأكد صندوق النقد الدولي أن المناقشات عقدت على هامش اجتماعات الربيع للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث تناولت عددًا من القضايا المتعلقة بتنفيذ البرنامج وآفاق الاقتصاد المصري، وستستمر قريبًا نحو بدء مهمة المراجعة الأولى لبرنامج مصر.
وينتظر صندوق النقد الدولي رؤية مصر لتنفيذ المزيد من الإصلاحات واسعة النطاق التي تعهدت بها قبل إجراء المراجعة الأولى لبرنامج بقيمة 3 مليارات دولار، وفقًا لما نقلته وكالة بلومبرغ للأنباء عن أشخاص مطلعين على الأمر.
ويريد الصندوق الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، أن يرى صفقات خصخصة لأصول الدولة ومرونة حقيقية في تسعير العملة المصرية لضمان نجاح المراجعة.
في ديسمبرالماضي، وافق صندوق النقد على برنامج مدته 46 شهرًا لمصر، وأظهرت وثيقة الصندوق التي نشرت وقتها أن البرنامج المصري سيخضع لمراجعتين سنويا حتى منتصف سبتمبر 2026، بإجمالي 8 مراجعات، وأن المراجعة الأولى والتي سيصرف على أساسها الشريحة الثانية من القرض كانت ستتم في منتصف مارس الماضي.
وقال جهاد أزعور، مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى، في مؤتمر صحفي 13 أبريل 2022، إن “مرونة سعر الصرف هي أفضل وسيلة لمصر لحماية اقتصادها من الصدمات الخارجية”.
ويتم تداول الدولار مقابل الجنيه خلال الوقت الحالي داخل سوق الصرف الرسمي حول مستوى 30.94 جنيه، على حذر لإجراء تخفيض جديد مرتقب للجنيه المصرى الأيام المقبلة.
وأشار أزعور أيضا إلى أن هناك حاجة إلى “إعادة تصميم دور الدولة للتركيز على القطاعات ذات الأولوية وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاستثمار ودعمه على تحقيق النمو وخلق المزيد من العملات الأجنبية”.
وقالت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، في نفس اليوم إن الصندوق يستعد لإجراء المراجعة، دون إعطاء جدول زمني، وقالت للصحفيين “الفرق تعمل وأنا واثقة من أننا سنحقق نتيجة جيدة”.
ويعتبر اتفاق مصر مع الصندوق عنصرا حيويا في جهود أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان لدعم اقتصادها الذي تعرض لأزمة ويسجل مستويات قياسية للتضخم خاصة بعد أن فقد الجنيه نصف قيمته في نحو 13 شهرا، تحت ضغوط الحرب الروسية في أوكرانيا إلى جانب سياسات التشديد النقدي حول العالم والتي رفعت كلفة الاقتراض.
يبدو أن الحكومة المصرية مضطرة لإبطاء وتيرة تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأته في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.. ما السبب؟
قالت رئيسة صندوق النقد الدولي إن مصر قد تحتاج إلى تنفيذ الإصلاحات بوتيرة أبطأ مما كان مقررا في البداية لتجنب الإضرار باستقرار الاقتصاد الكلي، في الوقت الذي يستعد فيه الصندوق لمراجعة حزمة الإنقاذ المالي الجديدة لمصر بقيمة 3 مليارات دولار.
وقالت كريستالينا غورغيفا رئيسة الصندوق في تصريحات للصحفيين، الخميس، إنه في حين اتفقت مصر والصندوق على برنامج جيد يتضمن عناصر رئيسية، منها تحرير أكبر لسعر الصرف وزيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد، فإن السرعة المقررة للتنفيذ “تحددت في ظل ظروف مختلفة”.
وأشارت وكالة بلومبرغ للأنباء إلى أن الحرب الروسية في أوكرانيا في أواخر فبراير/شباط من العام الماضي أضرت بالاقتصاد المصري، وأثارت أزمة في أسعار الغذاء والوقود، وخفضت إيرادات قطاع السياحة الحيوي للاقتصاد المصري.
من ناحيته، أكد توبياس أدريان، رئيس إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية في صندوق النقد الدولي، أنَّ تعديل سعر صرف الجنيه عامل أساسي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في مصر؛ «إذ يتيح للبنك المركزي تطبيق السياسات النقدية المواتية للظروف المحلية»، مضيفا «نظرا لارتفاع وتيرة التضخم في مصر فمن الضروري تطبيق مزيج من السياسات النقدية والمالية لاستعادة الاستقرار لاقتصاد البلاد».
وأضاف أدريان، في مقابلة مع تلفزيون الشرق-بلومبرغ على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، في واشنطن، أنَّ البنك المركزي المصري «عليه أن يصل إلى مستهدف التضخم بشكلٍ أو بآخر.. ما زال هناك المزيد من الخطوات المطلوبة لتحقيق ذلك»، مشيرا إلى أنَّ مصر «تلقّت أكثر من صدمة» خارجية وداخلية، وفي مقدمتها الزيادة بأسعار السلع عالميا، لا سيما المواد الغذائية؛ «في حين أنَّ عودة زخم السياحة إلى البلاد لم تكن بالقدر المعهود».
قال مسؤول بصندوق النقد الدولي، الخميس، إن مصر والصندوق لم يتفقا بعد على موعد للمراجعة الأولية بموجب حزمة مالية بـ3 مليارات دولار.
وكان صندوق النقد الدولي قد وافق في ديسمبر 2022 على قرض تسهيل صندوق ممدد بثلاثة مليارات دولار لمصر، التي تئن تحت وطأة ضغوط مالية حادة منذ الحرب في أوكرانيا التي كشفت تداعياتها مشاكل طويلة الأمد.
ويخضع صرف الحزمة في إطار برنامج 46 شهرا لثماني مراجعات، كان تاريخ أولها 15 مارس 2023، حسب ما ورد في تقرير خبراء الصندوق الذي نُشر في ديسمبر الماضي.
وقال مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور “نحن في حوار منتظم مع السلطات من أجل التحضير للمراجعة الأولية، وبدأت الاستعدادات لها وعندما نكون والسلطات مستعدين سنعلن موعدها”.
وقال إن من بين الأولويات أن تتبنى مصر سعر صرف مرنا، وخفض التضخم باستخدام أدوات السياسة النقدية خاصة أسعار الفائدة وفتح مساحة أكبر للقطاع الخاص من خلال تكافؤ الفرص مع الشركات الحكومية.
وقال أزعور “قامت مصر بإصلاحات مهمة خلال السنوات القليلة الماضية، وكان الصندوق داعما للغاية… ما زلنا ندعم قائمة أولويات مصر الإصلاحية”.
وكان الجنيه قد فقد نحو 50% من قيمته خلال العام الماضي بعد أن أجبرت التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا البنك المركزي المصري على إجراء سلسلة من التخفيضات في قيمة العملة المحلية. وتتزايد التوقعات بأن المركزي سيضطر إلى خفض قيمة الجنيه بشكل أكبر في الأسابيع المقبلة وسط استمرار شح النقد الأجنبي في البلاد.
ورفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بمقدار 1000 نقطة أساس منذ مارس 2022، ومن المرجح أن يضطر إلى رفعها لمستويات أعلى في الأشهر المقبلة مع استمرار الضغوط على الجنيه.
وتراجعت قيمة الجنيه في العقود الآجلة غير القابلة للتسليم لأجل 12 شهرا إلى 41.6 جنيه مقابل الدولار، ارتفاعا من 41 جنيها الأسبوع الماضي، وفقا لبلومبرغ، فيما يجري تداول الدولار في السوق الموازية عند مستوى 35.40 جنيه، حسب ما نقلت مواقع محلية عن تجار لم تسمهم، وظل سعر الصرف الرسمي مستقرا عند 30.96 منذ أكثر من شهر، على الرغم من وعد البنك المركزي في أكتوبر/تشرين الأول بالسماح للعرض والطلب بتحديد سعره.
كما انخفضت السندات المصرية المقومة بالدولار، بما في ذلك السندات القياسية المستحقة في عام 2025، بأكثر من 2.2 سنت في تعاملات أمس، وفقا لما نقلته رويترز عن بيانات تريد ويب.
وما زالت البنوك ورجال الأعمال يشكون من نقص شديد في العملات الأجنبية، وانخفض سعر الجنيه في السوق السوداء إلى نحو 36 جنيها مقابل الدولار.
وفي اتفاق ديسمبر/كانون الأول مع صندوق النقد الدولي، وعدت مصر أيضا ببيع أصول مملوكة للدولة بمليارات الدولارات في السنوات الأربع المقبلة.
ولم تقم الحكومة بأي عمليات بيع كبيرة منذ التوقيع، على الرغم من رفع البنك المركزي أسعار الفائدة للإيداع لليلة واحدة 500 نقطة أساس.
وبحسب تقرير لـ”أسوشيتد برس” فقد أعرب عدد من قادة الأعمال عن شكوكهم بشأن خطط الحكومة لتقليص دورها في اقتصاد البلاد.
يشير تقرير لقناة CNBC الأمريكية إلى أن الجنيه المصري يعتبر من بين أسوأ العملات أداء في عام 2023. ومن المتوقع أن ينخفض أكثر خلال الشهور اللاحقة. إذ يحتل الجنيه حاليا المرتبة السادسة بين أسوأ العملات أداءً.
يأتي ذلك، بينما بلغ معدل التضخم الرئيسي في مصر في فبراير/شباط الماضي، أعلى مستوى له منذ أكثر من خمس سنوات، حيث ارتفع بنسبة 31.9% على أساس سنوي مدفوعاً بارتفاع أسعار المواد الغذائية، والتي تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا.
اعتبارا من نهاية مارس الماضي، احتلت الليرة اللبنانية المرتبة الأولى بين العملات الأكثر اضطرابا منذ بداية العام، حيث انخفضت قيمتها بنسبة تصل إلى 70%، يليها البوليفار الفنزويلي والدولار الزيمبابوي والريال الإيراني.
ومع ذلك، فإن المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها أكبر دولة في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان، تعني أن الجنيه ما يزال أمامه طريق للهبوط أكثر خلال الشهور المقبلة.
ثمار “رفع الفائدة”.. البنك الأهلي المصري وبنك مصر يصدران شهادات ادخار بفائدة 22% و19%
كتب فاروق سوسة الاقتصادي في بنك غولدمان ساكس في تقرير بحثي بتاريخ 9 مارس الماضي: “مسار التضخم المتزايد يزيد الضغط على الجنيه المصري”.
ويتوقع فاروق سوسة أن يصل التضخم في مصر إلى ذروته عند حوالي 36% في الربع الثالث من العام الجاري، إذا لم يكن هناك المزيد من التخفيضات.
وقال سوسة: “إن خطر حدوث مزيد من الضعف في الجنيه الاسترليني في المدى القريب مرتفع، لا سيما في سياق المراجعة الأولى في إطار برنامج صندوق النقد الدولي والمتوقعة خلال النصف الأول من العام الجاري”.
قرض صندوق النقد الدولي
وافق صندوق النقد الدولي في ديسمبر/كانون أول الماضي على قرض بقيمة 3 مليارات دولار لإنقاذ الاقتصاد المصري المتعثر؛ ومع ذلك، فإنه يتوقف على التزام الدولة تجاه الإصلاح الاقتصادي على مدى السنوات الأربع المقبلة، وإحدى الخطوات نحو ذلك هي تبني سعر صرف مرن.
في يناير/كانون ثاني الماضي، توقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ العجز المالي في مصر 17 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة؛ تشير الفجوة المالية إلى مقدار النقد الأجنبي الذي يحتاجه بلد ما لسداد ديونه.