أستمرت أسعار الذهب في مصر مكانها منذ الهبوط المدوي للمعدن الأصفر إثر قرار الحكومة إعفاء واردات الذهب مع القادمين من الخارج من الرسوم الجمركية والضريبية، يتساءل حائزو المعدن النفيس في البلاد عن مستقبل أسعاره، وما إذا كانت مدخراتهم من السبائك والجنيهات الذهبية ستؤتي أكلها من عدمه، لكن متخصصين وتجاراً وبنوكاً عالمية يرون أن أسعار الذهب على موعد قريب مع الزيادة في السوقين المحلية والعالمية لعديد من الأسباب، مما يجعل الوقت الحالي مثالياً للشراء بغية التحوط وتجنيب المدخرات أخطار التآكل وسط توقعات بالارتفاع في مصر حال قيام القاهرة بخفض رابع في سعر صرف الجنيه أمام الدولار في خطوة ترفع كلفة استيراد البلاد للذهب بالدولار، من ثم تسعير أعلى مقوماً بالجنيه المصري.
واكتسب الذهب في مصر بريقاً خاصاً بتعويم ثالث للجنيه في يناير الماضي، دفع أسعار المعدن الأصفر صعوداً مقومة بالعملة المحلية إلى مستوى تاريخي هو 2800 جنيه (90.62 دولار) لغرام الذهب “عيار 21″، بدعم من الطلب المرتفع، إذ هرول المصريون نحو شراء المعدن في مسعى إلى تجنيب مدخراتهم خطر التآكل، في وقت ظلت فيه السوق السوداء للدولار نشطة إلى حد كبير، وزكت تحركات العملة الأميركية في هذه السوق التوقعات في شأن تعويم رابع للعملة المصرية.
وعلى رغم إصرار بعض المتخصصين والتجار ربط المعدن الأصفر في السوق المحلية بتحركات أسعاره في البورصات العالمية، إلا أن آخرين يرون السوق المصرية في معزل عن التحركات لدى نظيرتها العالمية، لأسباب تتعلق بارتفاع سعر الذهب في مصر مقوماً بالجنيه إلى مستوى يفوق السعر العالمي، بالتالي لا أثر يذكر حال ارتفاع أو تراجع سعر المعدن في السوق العالمية على الأسعار في مصر، وفي المقابل، يعتقدون أن المحرك الأساس لأسعار الذهب في مصر هو الطلب المحلي، فإذا ارتفع، دفع معه أسعار المعدن صعوداً.
لم تغادر أسعار الذهب اليوم في مصر نطاق التحركات العرضية الطفيفة للمعدن طيلة الأسابيع الماضية، إذ ظل سعر غرام الذهب “عيار 24” الأكثر نقاءً يدور في فلك مستوى 2500 جنيه (80.90 دولار)، فيما سجل سعر غرام الذهب “عيار 21” الأكثر شعبية مستوى 2200 جنيه (71.19 دولار)، وحل غرام الذهب “عيار 18” عند مستوى 1880 جنيهاً (60.84 دولار)، فيما سجل الجنيه الذهب (يزن ثمانية غرامات عيار 21) سعر 17500 جنيه (566.29 دولار) دون حساب المصنعية.
في حديثه يربط المدير التنفيذي لإحدى شركات تجارة السبائك والجنيهات الذهبية فادي كامل أسعار الذهب في مصر بقرارات ومواقف دولية، على سبيل ترقب الأسواق لقرارات “الاحتياطي الفيدرالي” الأميركي، وحالة عدم اليقين المستشرية، وآفاق الصراع الروسي – الأوكراني. ويقول إن تراجع سعر الذهب في مصر يأتي إلى جانب تراجع الطلب المحلي ونقص السيولة، بسبب مواصلة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتصريحات الرئيس الأوكراني زيلينسكي من مواصلة بلاده المعركة، إضافة إلى الترقب في السوق الأميركية لبيانات التضخم وتأثيراتها المتوقعة على موقف “الفيدرالي” من أسعار الفائدة.
ويلفت فادي كامل إلى السوق المحلية تعيش حالة من عدم الاستقرار تحكمها التوقعات بخفض قيمة الجنيه المصري، في إطار مساعي القاهرة للتوافق مع اشتراطات صندوق النقد الدولي، لإتاحة شريحة جديدة من قرضه البالغ إجمالاً ثلاثة مليارات دولار، عبر اعتماد سعر صرف مرن للجنيه أمام الدولار. ويرى أن مبيعات الذهب في مصر تشهد حالة من التوازن على جانبي العرض والطلب، مع تراجع مبيعات السبائك والجنيهات الذهبية لصالح المشغولات على خلاف ما كان متبعاً في الأشهر الماضية من اندفاع واضح في طلب السبائك والجنيهات بغية التحوط.
ويتوقع المتخصص في تجارة الذهب، ارتفاع أسعار المعدن الأصفر إلى مستويات أعلى مما سبق أن وصلت إليها من قبل، حال خفض تعويم الجنيه، وبخاصة مع قرار وقف الاستيراد الذي يغذي نقص المعروض.
ووفق أحدث تقرير من مجلس الذهب العالمي، مطلع الشهر الجاري، ارتفعت مشتريات المصريين من المعدن الأصفر خلال الربع الثاني من 2023 إلى 17.3 طن مقابل 16.2 طن الربع السابق، و10.7 طن في الربع نفسه من العام الماضي.
من جانبه، يعتقد المدير التنفيذي لإحدى منصات تداول الذهب والمجوهرات عبر الإنترنت سعيد إمبابي أن أسعار الذهب أمام صعود متوقع عالمياً الفترة المقبلة مع اتجاه المستثمرين لشراء المعدن بعد انخفاض الودائع في البنوك الخاضعة لتأمين مؤسسة الودائع الفيدرالية، بحسب البيانات المصرفية ربع السنوية الأخيرة، وذلك للربع الخامس على التوالي في الفترة المنتهية في 30 يونيو الماضي، في أكبر انخفاض ربع سنوي على الإطلاق.