بقلم | دكتورأيمن صالح
أستاذ القلب – جامعة عين شمس
طوفان الأقصي ضرب الكيان الصهيوني يوم ٧ اكتوبر و تداعت الأحداث و توالت الجرائم و المجازر و الزيارات و التصريحات و المظاهرات و الاجتماعات و المساومات .
و بدأ الكلام عن مستقبل غزة بعد الحرب .
ماذا عن ما بعد مستقبل غزة ؟!
لقد زلزلت أرض فلسطين يوم ٧ أكتوبر و معها سقطت كل الأقنعة من كل الوجوه وغسلت الدماء مساحيق كل المهرجين .
بدت – لكل من كان غافلا او متغافلا – حقيقة التوأمة بين معظم النخب الحاكمة في الغرب كل الغرب و الصهيونية الإسرائيلية .
وضح الفكر الصهيوني الذي يعتبر الصراع العربي ( ولا أقول الفلسطيني ) الإسرائيلي صراعا وجوديا دينيا و ليس سياسيا براجماتية ( بلينكن في زلة لسان أو تعمد و علي الهواء قال أنه حضر لإسرائيل متضامنا ليس كوزير خارجية أمريكا و لكن كيهودي من أسرة يهودية و أهل زوجته يهود و ما كرره السيد بايدن بأنه صهيوني و لو لم توجد إسرائيل لأوجدتها أمريكا و هو ما حدث بالفعل ) و ما يستتبع ذلك من تعليم لكل أبناء الغرب ( ظهر ذلك جليا في شهادات بعض أبناء الغرب الذين أفاقتهم هول الصورة من تنويمهم ) أن إسرائيل ضرورة و قيمة أخلاقية و سياسية للغرب و مدي التشارك في هذه القيم الأخلاقية و الثقافية .
وضح سيطرة الإعلام الغربي علي كل العقول والقلوب بإملاء سردية واحدة للتاريخ و الصراعات وقد إستثمر المال الصهيوني عشرات المليارات إن لم يكن المئات لضمان هذه السيطرة و لولا اللحظات و السويعات الذي تسربت فيه الأفلام و الشهادات التي توثق السردية الفلسطينية و المصرية لنجحت السيطرة الإعلامية تماما .
ظهرت حقيقة وحدة كل أصحاب الفكر الصهيوني في الهدف والرؤية و التخطيط فلا فرق بين الصهيوني الأمريكي و الأوروبي و الأسترالي أو من غيرهم الكل متضامن مع القتل و التهجير و تفاصيل السردية .
وضحت سيطرة المال الصهيوني علي معظم النخب الأمريكية و سيطرت الاثنين علي كثير من النخب الأوروبية بل و غيرهم في قارات أخري .
هذه الآراء مؤثمة في الغرب بقوة السلطة و ليس قوة المنطق !
المنطق الذي تم الاعتداء عليه في قبلة الغرب : واشنطن ( أشير لكتاب آل جور الإعتداء علي المنطق the assault on reason 5.
إنتهت معظم قيمة كل المحافل الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية و التي أصدرت أمرإعتقال للرئيس بوتن لإتهامه بإختطافه لبعض الأطفال ذوي الجنسية الروسية من أوكرانيا و لم تنطق بعد قتل آلاف من الأطفال علي الهواء و لا قصف المستشفيات و الإسعاف و دور العبادة .
واضح أن تعاون الغرب الجمعي الرسمي يسير وفق خطة فيها توزيع للأدوار و لم يعد هناك منطق لمن يتهكمون عند ذكر نظرية المؤامرة.
رأينا خداع شعارات حرية الرأي والتعبير و لعل أبسط مثل تصويت مجلس النواب الأمريكي بأغلبية حوالي ٢٨٠ صوت بتوجيه اللوم لعضو مجلس النواب الأمريكي من الحزب الديمقراطي ذات الأصل الفلسطيني السيدة رشيدة الطيب لأنها تجرأت علي إنتقاد دولة إسرائيل و كذا تمرير قانون من فترة يساوي بين إنتقاد إسرائيل و تشبيهها بالنظم العنصرية و النازية بمعاداة السامية .
ظهرت حقيقة أطماع إسرائيل باعتماد” أرضنا الموعودة من النيل للفرات ” في خريطتها المعلقة في الكنيست و تصريحات بعض حاخاماتها و سياسييها .
هي محنة من أقسي المحن التي عصفت بالعرب التي عاصرتها في حياتي ، و لكن من قلب كل محنة يجب أن تكون هناك فرصة لبداية جديدة وبعد العثرة يجب أن تكون هناك وقفة يليها خطوات واسعة و متسارعة و إن كانت محسوبة .
وسط غيوم الإجرام و دخان الحرائق تراءت مشاهد رائعة وومضات أمل :
الأهم هو الصمود و الصبر و القوة التي أبداها الشعب الفلسطيني الأعزل في مواجهة التجويع و التعطيش و القتل .
رأينا تكاتفهم في لحظات تنبئ بأن موتهم قد دنا ،غنيهم وفقيرهم يلتحف السماء أشلائهم و دمائهم تتعانق .
رأينا الأمل في أطفالهم يلعبون و يستخفون في الحفر التي خلفتها القنابل العملاقة رأينا أطفالهم يملؤ الجرادل من المطر و يشكرون الله أن سقاهم .
أنشأ ثلاثمائة محامي من شتي بقاع العالم تحالفا برئاسة كبير محاميي فرنسا للدفاع عن الفلسطينين و ملاحقة إسرائيل قضائيا لجرائمها .
تظاهر الآلاف من اليهود في قلب إسرائيل و نيويورك ضد جرائم إسرائيل و رأينا كيف ضربوا و اعتقلوا في البلدين .
تظاهر الملايين في معظم عواصم العالم من كل الجنسيات و الألوان و الأديان تضامنا مع الحق و تنديدا بالجرائم .
رأينا المحكمة العليا الفرنسية تنقض قرار حكومة فرنسا بمنع المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين .
رأينا تحايل الناس كل الناس علي القيود المهولة من قبل منصة ميتا و بقية المنصات لمنع إنتشار كل ما يدين إسرائيل و ينجحوا .
إتضح للأجيال الأصغر من العرب و المسلمين و العالم كله كذب شعارات الغرب عن حرية الرأي و التعبير فقد إتضح للجميع أنها يافطة ترفع علي واجهة المحل او تنزع حسب الزبائن و هي حرية لأن تؤيد السردية الصهيونية او المثلية الجنسية أو تزدري الأديان و فقط .
الوجه المضيء لتصويت أغلبية مجلس النواب بلوم النائبة رشيدة هو ادأن المعترضين علي اللوم حوالي ١٧٠ نائب .
اذا ماذا لمصر بعد بعد غزة ؟
اولا: يجب حشد القدرات المصرية ( الاقتصادية و العلمية و الثقافية و الاجتماعية ).بالتنسيق العلمي اللصيق بين الهيئات و المؤسسات و الجهات العامة و الأهلية و الخاصة ذات التداخل في مهامها ، مثل الجامعات و المراكز البحثبة ووزارة البيئة أو مثل وزارات التعليم العالي و التربية و التعليم و الشباب و الرياضة و الثقافة و الصحة و هيئة الرعاية الصحية . و ذلك يتطلب تخطيط متوسط و طويل المدي .
ثانيا : إعطاء المنهج العلمي الأولوية المطلقة في إدارة المؤسسات و الهيئات قبل كل اعتبار .
ثالثا : التركيز علي ” تنشيط الوعي للمجتمع المصري ” وصولا ” لعودة الروح ” روح المجتمع المصري في ٦ اكتوبر ١٩٧٣.
و هذا يستلزم المزيد من الاهتمام باللغة العربية ( يجب الاعتراف بأن تدهور اللغة العربية بين المصريين ساهم في عزوف الشباب المصري عن القراءة العربية و تسطيح مصادره في الثقافة لتنحسر في الفيس بوك و ربما جوجل للبعض ) و الدين الإسلامي و المسيحي ( القيم الأخلاقية و الروحية أحد أسس تماسك المجتمع في كل الأزمات و خاصة في مواجهة الهجمات الغريبة الخارجية ) وتاريخ مصر الممتد عبر الدهر من مصر القديمة الي القرن الواحد و عشرين .
رابعا : تطوير آليات إختيار قيادات المؤسسات و الهيئات و الوزارات للدفع بالأكفاء ذوات القدرة علي التواصل و النهوض بهمم مرؤوسيهم و يكون الإختيار بعيدا عن كل صور المجاملة و المحاباة و الواسطة مع محاسبة من يرشح الشخص المسئول بحيث لا تكون هناك فرصة لاختيار فاسد او ضعيف .
خامسا : توسيع دائرة من يطلب رأيهم من قبل متخذ القرار لضمان تدفق أفكار أكثر .
سادسا : ضرورة تنشيط الدبلوماسية الشعبية مع هذه الكتل المؤيدة للحق الفلسطيني و الرؤية المصرية بالتنسيق مع الدبلوماسية الرسمية .
المقترحات لا تعني إنها تأتي لتملأ فراغا فقد تم بذل جهد غير مسبوق خلال العشر سنوات لنقل مصر لمصاف الدول الأكثر نموا و لكن من المؤكد أن هناك مساحة كبيرة للتحسين في بلدنا لنعوض ما فات و لنسرع من تطوير قدراتنا و زيادة تلاحمنا و قوتنا في وجه العواصف و الصدمات .
نحن في حالة حرب و في الحروب يكون الإصطفاف تاما قيادة و جيشا و شعبا و لا مكان لمتراخي أو خائن و لهذا ينفذ القانون بكل صرامة و ينجز العمل بكل إخلاص .