محمد مهدى عبد النبى يكتب..
هل سمعتم من قبل عن هذة المصطلحات المخيفة ” تسميم البيانات ، إغراق السندات ، التزييف العميق ، الهندسة الميمية ” … ؟! … هذا ما تتناوله دراسة الباحث ، توبياس سيتسما و آخرين من مؤسسة RAND البحثية الأمريكية 2024 حول أنماط التهديدات التكنولوجية و الاقتصادية الناشئة للنظام المالى فى الولايات المتحدة الذى يعد قلب الاقتصاد العالمي .
أولا … تسميم البيانات
نحو 80% من حجم تداولات الأسواق المالية الأمريكية يعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي الذى يشهد طفرات هائلة تتنافس فى سرعات معالجة البيانات و المعلومات و اتخاذ القرارات الدقيقة ، و على ضفاف تلك القدرات الواسعة تنمو اعشاب مخاطر التلاعب فى نماذج التداول المؤمنة سيبرانيا بتعمد ادخال معلومات خاطئة و تكثيف التوقعات المنحازة و الدفع بعمليات قرصنة منظمة لتشفير البيانات و الأصول ، بغية انتشار الاضطرابات فى المحافظ المالية الكبرى التى قد تتكبد خسائر تتجاوز 30% حسب الدراسة .
ثانيا … إغراق السندات
و هو أن تقوم جهات دولية وازنة بتكثيف مبيعاتها بشكل مفاجئ فى سندات الخزانة الأمريكية مخلفة فوضى محدودة فى اقتصاد الولايات المتحدة ، و هو الأمر الذى اختبرته كلا من الصين و روسيا فى عام 2008 بمبيعات مشتركة بلغت 220 مليار دولار ، لتنخفض أسعار السندات وقتها و تزيد الفائدة عليها بنحو 1.4% ، إلا أن مرونة واشنطن فى استيعاب تلك الصدمة القصيرة بعمليات إعادة الشراء قلصت من أثرها … و هو ما فهمته الصين تحديدا التى تخلصت تدريجيا خلال العشر سنوات الماضية من نحو 540 مليار دولار من سندات الخزانة الأمريكية .
ثالثا … التزييف العميق
تمثل المعلومة فى عالمنا المعاصر مصدر مهم للقوة و الفرصة ، من هنا ينبع أهمية تزييفها أو تقديم معلومات موازية بنشر مقاطع مصورة و أصوات مستنسخة للتأثير على قرارات المتداولين و المستهلكين و سلاسل الإمداد … و هو ما حدث مرارا اقربها صور انفجار فى محيط مبنى وزارة الدفاع الأمريكية فى مايو 2024 و هو ما تسبب فى هزة طفيفة لمؤشر SP500 بنحو 0.30% ، و كذلك حملة استنساخ اصوات لمسئولين فى 2019 و التى نجحت فى الاحتيال على الأفراد بنحو 667 مليون دولار و خسائر سوقية للشركات الأمريكية بقيمة 1.4 مليار دولار.
رابعا … الهندسة الميمية
تتنافس كل منصات وسائل التواصل الاجتماعي على ما يسمى اقتصاد الإنتباه ، و هو اغلى ما يملكه المستخدمون فتقوم ببث مجموعات متعددة من المعادلات الثقافية ” ميمز ” لتوجيه الجماهير و تغيير اهتماماتهم و أفكارهم النفسية و المادية و حتى معتقداتهم الراسخة … كل هذا التلاعب المنظم و أكثر يندرج تحت الهندسة الميمية التى تتنوع من حملات سريعة ضد شريحة مستهدفة تعصف مثلا بالاسهم صعودا و هبوطا بكل حدة ، و بين حملات متوسطة و طويلة الأجل تخلق اتجاهات مغايرة لمصالح أطراف أخرى مستفيدة تبدو طبيعية مع الوقت .
ختاما ، مع اقتراب الانتخابات الأمريكية 2024 و نمو الاضطرابات الجيوسياسية حول العالم تتعزز مخاطر استخدام تلك الأنماط الأربعة فى ظل تفوق أغلبه غير مفهوم للذكاء الاصطناعي خاصة فى ظل الفقاعات المالية التى تتشبع بها الأسواق ديونا و تقييما و تداولا … و حتى إن نجا منها النظام المالى للولايات المتحدة فهل تستعد و تستطيع الاقتصادات المتقدمة الأخرى للتعامل مع تلك المخاطر ، و ماذا عن الاقتصادات الناشئة ؟!! … يبدو أن الاجابات ستكون مفاجئة للجميع .