تعلن البرازيل والأرجنتين هذا الأسبوع بدء التحضيرات الرسمية لإطلاق عملة مشتركة بين البلدين ستكون ثاني أكبر عملة تجمع اقتصادي بعد العملة الأوروبية الموحدة اليورو. ويعلن عن العملة الجديدة خلال زيارة الرئيس البرازيلي إنياسيو لولا دا سيلفا للعاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس للمشاركة في قمة أميركا اللاتينية والكاريبي مدشناً عودة البرازيل لذلك التجمع الإقليمي.
وكان الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، المقرب من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، انسحب من التجمع الإقليمي، إلا أن الرئيس الجديد ذا التوجه اليساري سيعلن من بيونس آيرس عودة بلاده للتجمع الذي يضم 33 دولة.
كانت هناك محادثات مبدئية من قبل حول عملة مشتركة بين البرازيل والأرجنتين، أكبر اقتصادين في أميركا اللاتينية، لكن البنك المركزي البرازيلي في ظل حكم بولسونارو أوقف تلك المفاوضات عام 2019. ومنذ انتخاب لولا دا سيلفا العام الماضي، عادت مجموعات العمل بين البلدين وزار وزير الاقتصاد الأرجنتيني البرازيل قبل تنصيب الرئيس مطلع هذا الشهر وكان موضوع العملة المشتركة البند الأساسي في مناقشاته مع الفريق الاقتصادي في الحكومة البرازيلية الجديدة.
عملة مشتركة وليست موحدة
ونقلت صحيفة “فايننشال تايمز” عن المسؤولين في البلدين أن التركيز الرئيس سيكون على أن تعزز العملة المشتركة الجديدة التجارة بين البلدين من دون الاعتماد على حسم التعاملات بالدولار الأميركي. وتقترح البرازيل اسم “سور” للعملة الجديدة ويعني باللغة البرتغالية “الجنوب” وستطلق العملة من دون إلغاء الريال البرازيلي أو البيزو الأرجنتيني.
وستحسم حكومتا البلدين تسويات التعاملات بالعملات المحلية، مما جعل صحيفة “بوينس آيرس هيرالد” تقول إن ذلك سيعني أن تدفع الأرجنتين مقابل وارداتها من البرازيل من دون الحاجة إلى تدبير الدولارات. وما إن تطلق العملة المشتركة ستتم دعوة دول أميركا اللاتينية للانضمام إليها.
وقال وزير الاقتصاد الأرجنتيني سيرجيو ماسا لصحيفة “فايننشال تايمز” عن العملة المشتركة الجديدة، “سيكون هناك قرار (خلال القمة الأرجنيتينة – البرازيلية) بالبدء بدراسة المعايير المطلوبة وتتضمن كل شيء من المسائل المالية إلى حجم الاقتصاد ودور البنوك المركزية، وستتم دراسة آليات التكامل التجاري. لا أريد أن أعطي انطباعاً بالآمال الكبيرة، لكنها (العملة المشتركة) خطوة أولى على طريق طويل يتعين على أميركا اللاتينية أن تمضي فيه”.
وأضاف ماسا، “وتدعو الأرجنتين والبرازيل بقية دول أميركا اللاتينية إلى الانضمام (للعملة المشتركة)”، لكنه أوضح أن الوصول إلى عملة موحدة قد يأخذ سنوات، مذكراً بأن “أوروبا احتاجت إلى 35 عاماً للوصول إلى اليورو، لذا فالعملة المشتركة بين البرازيل والأرجنتين ستكون في البداية عملة مشتركة للتبادلات والتعاملات بين البلدين وليست عملة موحدة تلغي العملة الوطنية في كل منهما”.
ويعاني الاقتصاد الأرجنتيني منذ تخلفه عن سداد الديون، بخاصة لصندوق النقد الدولي، إفلاساً منذ عام 2020، وما زالت البلاد تواجه عبء دين خارجي يصل إلى 40 مليار دولار للصندوق الذي أقرضها قرض إنقاذ عام 2018. كما ارتفعت معدلات التضخم لتصل إلى 100 في المئة خلال الأعوام الثلاثة الأولى من حكم الرئيس الجديد ذي التوجه اليساري ألبرتو فيرنانديز.
لكن حجم التجارة بين الأرجنتين والبرازيل صعد بقوة في الفترة الأخيرة ليسجل 26.4 مليار دولار في الأشهر الـ11 الأولى من العام الماضي بزيادة 21 في المئة عن الفترة المقابلة من العام السابق 2021، ومن شأن العملة المشتركة أن تخفف الضغط على الأرجنتين بعدم إهدار احتياطاتها من العملات الأجنبية لتمويل التجارة مع جارتها.
تشكل الأرجنتين والبرازيل القوة الدافعة الأكبر في تجمع “ميركسور” التجاري، ومن شأن إطلاقهما عملة مشتركة أن يوسع دائرة الاشتراك فيها من قبل دول المجموعة، ويعزز من ذلك فوز أكثر من رئيس يساري في دول أميركا اللاتينية في أكثر من انتخابات أخيراً.
ويعد تكتل أميركا اللاتينية ثاني أكبر تكتل تجاري يطلق عملة مشتركة فبحسب تقديرات “فايننشال تايمز” يشكل تجمع دول القارة ما نسبته خمسة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بينما يشكل تجمع دول منطقة اليورو 14 في المئة. وهناك تجمعات لتكتلات أخرى تستخدم عملة مشتركة مثل بعض دول أفريقيا التي تستعمل “الفرنك الأفريقي” المرتبطة قيمته بالدولار، لكن ما يشكله ذاك التجمع نسبة ضئيلة جداً من الاقتصاد العالمي.
ومع توجه روسيا والصين أخيراً إلى تسوية التعاملات في ما بينهما بالعملات المحلية وكذلك مع عدد من شركائهما التجاريين حول العالم، تواجه هيمنة الدولار الأميركي على التعاملات المالية العالمية تحدياً كبيراً. وفي حال نجاح دول أميركا اللاتينية في العملة المشتركة وربما تحولها إلى عملة موحدة، تزيد التحديات أمام دور الدولار في النظام المالي العالمي، حتى لو اختارت المكسيك مثلاً البقاء بالقرب من الولايات المتحدة وكندا، بعيداً من البرازيل والأرجنتين وباراغواي وأوروغواي وغيرها، فإن عملة الجنوب تظل تحدياً كبيراً لواشنطن.