في وقت تتواصل جهود الحكومة المصرية لاحتواء أكبر موجة تضخم تشهدها البلاد خلال خمس سنوات، فقد أعلنت البنوك المملوكة للدولة قرب وقف طرح شهادات الـ25 في المئة التي أُعلن عنها أول الشهر الحالي، تزامناً مع أكبر وآخر زيادة أقرها البنك المركزي المصري في أسعار صرف الدولار مقابل الجنيه المصري.
وربما جاء طرح الشهادات الجديدة بهدف امتصاص جزء كبير من السيولة المتاحة في السوق المصرية، التي تتسبب في استمرار زيادة أسعار مختلف السلع، إضافة إلى الحفاظ على مدخرات المصريين من التآكل مع استمرار تراجع الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن معدلات التضخم ظلت قرب مستوى 25 في المئة خلال ديسمبر الماضي، ومن المتوقع أن تتسبب هذه الموجة من التضخم في زيادة إنفاق المصريين على الغذاء خلال العام الحالي بنحو 15.3 في المئة ليتجاوز 973 مليار جنيه (32.541 مليار دولار)، وفق توقعات مؤسسة “فيتش سوليوشنز”، لكن هذا الارتفاع لن يأتي على خلفية ارتفاع حجم الاستهلاك بقدر ما هو بسبب تضخم أسعار الغذاء نفسها والذي قد يستمر حتى عام 2026.
وأعلن البنك الأهلي المصري وبنك مصر وقف العمل بشهادات الادخار مرتفعة العائد لأجل عام واحد، بفائدة تبلغ نحو 25 في المئة، اعتباراً من نهاية يناير الحالي. وقد تمكنت هذه الشهادات من جمع نحو 360 مليار جنيه (12.040 مليار دولار) لدى بنك الأهلي المصري وبنك مصر منذ طرحها في الرابع من يناير الحالي، وحتى منتصف الأسبوع الحالي.
وأصدر كل من البنك الأهلي وبنك مصر الشهادات مرتفعة العائد، في إجراء يستهدف مواجهة الدولرة والسيطرة على التضخم. وتقدم الشهادات عائداً سنوياً ثابتاً يصل إلى 22.5 في المئة يصرف شهرياً، أو 25 في المئة يصرف عند استحقاق الشهادة، كما أصدر عدد من البنوك الأخرى شهادات مماثلة، إذ أصدر البنك التجاري الدولي – مصر، شهادة مرتفعة العائد، بعائد سنوي ثابت يصل إلى 20 في المئة يصرف شهرياً، وعائد 22.5 في المئة يصرف عند الاستحقاق.
كما أصدر بنك قطر الوطني الأهلي شهادة ادخار مدتها 18 شهراً بعائد سنوي ثابت يصل إلى 20 في المئة يصرف شهرياً أو بعائد 22.5 في المئة يصرف في نهاية المدة، وانضم بنك القاهرة إلى قائمة البنوك التي أصدرت شهادات ادخار بعائد 25 في المئة بنهاية مدة الشهادة أو بعائد شهري بنسبة 22.5 في المئة.
ومن المتوقع أن يتوقف العمل بجميع الشهادات في وقت قريب، بخاصة بعد إعلان البنك الأهلي المصري وبنك مصر عن وقف بيع تلك الشهادات بنهاية الشهر الحالي، حيث لن يكون هناك دافع لدى البنوك الأخرى لمواصلة إصدارها، فقد كان الدافع الرئيس الذي كان لدى تلك البنوك هو الحفاظ على الودائع التي لديها من سحبها من جانب المواطنين لشراء الشهادات مرتفعة العائد من البنكين الحكوميين.
وفي تصريحات حديثة، قال رئيس اتحاد البنوك المصرية ورئيس بنك مصر محمد الأتربي إن شهادات الادخار الجديدة ذات العائد المرتفع والصادرة عن البنك الأهلي المصري وبنك مصر يمكن وقفها خلال أيام أو بنهاية الشهر على أبعد تقدير.
ووفق بيان، قال البنك الأهلي المصري إن المدخرين ضخوا نحو 260 مليار جنيه (8.695 مليار دولار) في الشهادات مرتفعة العائد. في المقابل، لم يعلن بنك مصر عن الحصيلة التي جمعها حتى الثلاثاء، لكنه قال، خلال الأسبوع الماضي، إنها وصلت إلى 120 مليار جنيه (4.013 مليار دولار).
وبالعودة إلى إنفاق المصريين، فإنه على مدار 2023، وعلى رغم انخفاض نمو الإنفاق الاستهلاكي الحقيقي، فقد رجحت مؤسسة “فيتش سوليوشنز”، أن يحتفظ نمو مبيعات المواد الغذائية في مصر بنسبة 15.3 في المئة على أساس سنوي، وعلى المدى المتوسط وخلال الأعوام الثلاثة المقبلة سوف يتسع الإنفاق على الغذاء بمعدل سنوي متوسط 11.8 في المئة، لتبلغ مبيعات السوق نحو 1.3 تريليون جنيه (43.478 مليار دولار) بحلول 2026.
أما المشروبات غير الكحولية، فقد توقعت أن ينمو الإنفاق عليها بنسبة 16 في المئة على أساس سنوي بنهاية العام الجاري، وصولاً إلى 40.5 مليار جنيه (1.354 مليار دولار)، لكن بنسبة أكبر سينمو الإنفاق على المشروبات الكحولية عند 17.2 في المئة، وصولاً إلى 115 مليار جنيه (3.846 مليار دولار)، على رغم أن الاستهلاك العام لن يرتفع أكثر من 5.4 في المئة على مستوى الكميات عند 145.4 مليون لتر. وبشكل عام، تشير التوقعات إلى متوسط نمو سنوي للقطاع سيكون بواقع 13.9 في المئة حتى 2026.
وكشفت المؤسسة، أنه بداية من الهجوم الروسي على أوكرانيا، في فبراير (شباط) 2022، وحتى عام 2026، فإن إنفاق المصريين على الطعام والمشروبات الكحولية وغير الكحولية، سيشهد زيادة ضخمة مع تفوق النمو في القطاع الفرعي الأخير.
وفي الوقت نفسه، تبلغ الضغوط التضخمية ذروتها في عديد من الأسواق العالمية، حيث ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة لكبح ارتفاع الأسعار. ومع ذلك، لا تزال معدلات التضخم مرتفعة، إذ يؤدي ارتفاع الأسعار إلى تآكل القوة الشرائية وتحويل الإنفاق الاستهلاكي بعيداً عن الإنفاق التقديري.إضافة إلى ذلك، هناك عديد من محركات التضخم في جانب العرض، ما يعني أن السياسة النقدية الانكماشية لن يكون لها تأثير يذكر، وهذا هو الواقع الاقتصادي للمستهلكين في عام 2023.
وبدأ الضغط التضخمي في الارتفاع على مستوى العالم في عام 2021، مدفوعاً بتفشي فيروس كورونا، ما كان له أثر في نقص السلع وارتفاع أسعارها، بجانب تحديات سلاسل الإمداد والتوريد، وتضخمت الآثار السلبية للجائحة مع اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا.
على صعيد التضخم، كانت بيانات البنك المركزي المصري، قد أشارت إلى أن معدل التضخم الأساسي في البلاد ارتفع إلى مستوى 24.4 في المئة على أساس سنوي خلال ديسمبر 2022 مقارنة بنحو 21.5 في المئة خلال نوفمبر الماضي. وذكر أن الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين، سجل معدلاً شهرياً بلغ 2.6 في المئة خلال ديسمبر 2022 مقابل معدل شهري 0.2 في المئة خلال ديسمبر 2021، ومعدل شهري بلغ نحو 2.7 في المئة خلال نوفمبر 2022.
وتشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر إلى ارتفاع معدلات التضخم لشهر ديسمبر 2022 حيث سجل معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية مستوى 21.9 في المئة، مقارنة بنحو 19.2 في المئة خلال شهر نوفمبر الماضي، ونحو 6.5 في المئة للشهر نفسه من العام السابق.
وبلغ الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية نحو 143.6 نقطة لشهر ديسمبر 2022، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 2.1 في المئة، عن نوفمبر 2022. وأرجع جهاز الإحصاء هذا الارتفاع إلى زيادة أسعار مجموعة الفاكهة بنسبة 7.6 في المئة، ومجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة 6.4 في المئة، ومجموعة الحبوب والخبز بنسبة خمسة في المئة، ومجموعة الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 3.1 في المئة، ومجموعة اللحوم والدواجن بنسبة 2.8 في المئة، ومجموعة السكر والأغذية السكرية بنسبة 2.5 في المئة.
كما ارتفعت أسعار مجموعة الزيوت والدهون بنسبة 2.3 في المئة، ومجموعة الخضروات بنسبة 2.3 في المئة، ومجموعة الملابس الجاهزة بنسبة 1.6 في المئة، ومجموعة الأحذية بنسبة 1.7 في المئة، ومجموعة الأثاث والتجهيزات والسجاد وأغطية الأرضيات الأخرى بنسبة 3.3 في المئة، ومجموعة الأجهزة المنزلية بنسبة ثلاثة في المئة، ومجموعة خدمات المستشفيات بنسبة 1.6 في المئة.
أيضاً، فقد صعدت أسعار مجموعة شراء المركبات بنسبة 2.8 في المئة، ومجموعة خدمات البريد بنسبة 12.9 في المئة، ومجموعة معدات الصوت والصورة ومعدات التصوير وتجهيز المعلومات بنسبة 3.0 في المئة، ومجموعة الوجبات الجاهزة بنسبة 2.9 في المئة، ومجموعة أمتعة شخصية بنسبة 9.8 في المئة.