لقد أودت الحروب بحياة صحفيين من قبل، من خنادق أوروبا إلى غابات فيتنام، لكن لم يُلحق أي صراع خسائر فادحة بالصحفيين مثل غزة.
يشير مشروع “تكاليف الحرب” التابع لجامعة براون إلى أنه منذ 7 أكتوبر 2023، لقي أكثر من 230 صحفيًا وعاملًا إعلاميًا حتفهم هناك، وهو رقم يفوق إجمالي وفيات الصحفيين في الحرب الأهلية الأمريكية، والحربين العالميتين الأولى والثانية، وكوريا، وفيتنام، وحروب البلقان، وأفغانستان ما بعد 11 سبتمبر. وبحلول أغسطس 2025، ارتفع العدد أكثر، حيث سجل موقع الرصد “شيرين” ما يقرب من 270 حالة وفاة (وفقًا للجزيرة). وهذا يعني حوالي 13 حالة وفاة شهريًا.
تتجاوز غزة جميع الحروب السابقة في وفيات الصحفيين، مما يثير تساؤلات حول حرية الصحافة والمساءلة والقيم الدولية.
أفادت هيئات رقابية أخرى بأرقام أقل بقليل، لكنها لا تزال صادمة. فقد أحصت لجنة حماية الصحفيين مقتل ما لا يقل عن 184 صحفيًا فلسطينيًا، بينما أكدت منظمة مراسلون بلا حدود مقتل أكثر من 145 صحفيًا، من بينهم أكثر من 35 صحفيًا استُهدفوا عمدًا. وحتى مع اختلاف الإحصاءات، تشير جميع المصادر إلى أن غزة هي أخطر مكان على الإطلاق بالنسبة للصحفيين.
فقدان الأصوات
منعت إسرائيل المراسلين الدوليين من دخول غزة، مما ترك الصحفيين الفلسطينيين المحليين يتولون مهمة توثيق الحرب. وقد رحل الكثير منهم. وتُحذر جماعات حقوق الإنسان من أن غياب هذه الأصوات قد خلق فجوة في التغطية الإعلامية، مما قد يؤدي إلى مرور الانتهاكات الجسيمة دون توثيق.
وتقول لجنة حماية الصحفيين إن مقتل واعتقال الصحفيين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول قد خلق “فراغًا إخباريًا”، مما حرم العالم من روايات مباشرة عن حرب مستمرة يوميًا.
موقف إسرائيل
ترفض إسرائيل الاتهام بأنها تستهدف الصحفيين عمدًا. ويقول المسؤولون إن العمليات العسكرية تستهدف حماس، التي يتهمونها بدفن مقاتليها في الأحياء المدنية، واستخدام المناطق السكنية مراكز قيادة، وتعريض أي شخص قريب للخطر، بمن فيهم الصحفيون. وتُشدد الحكومة على أن حملتها شنت بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، عندما قتل مقاتلو حماس أكثر من ألف شخص واحتجزوا رهائن داخل إسرائيل.
القيم العالمية تحت الضغط
أصدرت منظمات دولية معنية بحرية الصحافة، بما فيها منظمة مراسلون بلا حدود ولجنة حماية الصحفيين، رسالة مفتوحة في وقت سابق من هذا العام تصف المخاطر المستمرة التي يواجهها الصحفيون الفلسطينيون والضغوط التي يتعرضون لها. وذكرت منظمة العفو الدولية أن الأثر المشترك للقتل والقيود المفروضة على التغطية الإعلامية لم يترك للعالم سوى شذرات مما يحدث في غزة.
بالنسبة للكثيرين، أصبحت الحرب اختبارًا للقيم العالمية. تؤكد الدول مرارًا دعمها لحماية الصحفيين والحفاظ على سلامة المدنيين في الحرب، إلا أن الأرقام الواردة من غزة تشير إلى أن هذه الالتزامات لا تُذكر على أرض الواقع. أثار الصراع تساؤلاتٍ مُقلقة حول ما إذا كانت القواعد الدولية المُصممة لحماية الصحفيين في ساحات القتال لا تزال ذات معنى عندما تُطغى الأولويات السياسية.
نشرت الجزيرة أسماء جميع الصحفيين والإعلاميين الذين قُتلوا في غزة منذ بدء الحرب.