شكّلت العلاقة بين البنية التحتية للطاقة والبيئة والتجارب الحياتية في المنطقة محور نقاش الجلسة العامة الختامية لمنتدى “ثقافات الطاقة العالمية” الذي نظمته جامعة جورجتاون في قطر بالتعاون مع متاحف مشيرب يومي 9 و10 ديسمبر 2023.
استقطب المنتدى اهتمام الجمهور الدولي، الذي شارك على مدى يومين في نقاشات أكاديمية ومعارض فنية، وحفلات موسيقية، وعروض أفلام، حيث وفّر المنتدى منصة نابضة بالحياة لاستكشاف مواضيع الطاقة من منظور أكاديمي وفني.
ويمثل المنتدى امتداداً لأعمال مبادرة العلوم الإنسانية في مجال الطاقة، التي تعدّ جزءًا من مجموعة أبحاث الدراسات البيئية في مركز الدراسات الدولية والإقليمية بجامعة جورجتاون في قطر. وتهدف المبادرة إلى تسهيل ظهور تركيز جديد على الطاقة كتجربة حياتية يومية لتحديد اتجاهات معاصرة متعددة التخصصات للعلوم الإنسانية في مجال الطاقة العالمية.
وعلّق الدكتور صفوان المصري، عميد جامعة جورجتاون في قطر، قائلًا: “يهدف هذا المنتدى إلى تحويل جامعة جورجتاون في قطر والدوحة إلى مركز لدراسات الطاقة العالمية، مع التركيز بشكل خاص على المقاربات التاريخية والإنسانية التي تعيد توجيه المجال بعيدًا عن تركيزه التاريخي على شمال الأطلسي. ومن خلال منظورٍ عالمي، سلط الحوار الضوء على أشكال مختلفة من المعرفة والممارسات التي نتجت عن ثقافة إنتاج الطاقة واستهلاكها. وبينما نؤكد دائمًا على أهمية الحوار والنقاشات الأكاديمية، فقد اتخذ هذا المنتدى نهجًا فريدًا من خلال تشجيع الحضور على زيارة المعارض الفنية المحفزة للتفكير، والحوار مع الفنانين الموهوبين، إلى جانب إنارة الأفكار من خلال المناقشات العلمية”.
شمل المنتدى معرضًا فنيًا بعنوان “لأولئك الذين ناموا في الظلام مع أشباح يمكن التعرف عليها” للفنان فيكتور إهيكامينور، أول فنان مقيم في جامعة جورجتاون في قطر، بعد مشاركته في مبادرة أبحاث العلوم الإنسانية في مجال الطاقة في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.
وفي هذا الصدد، أشار الدكتور المصري إلى أن برنامج الفنانين المقيمين كان مدفوعًا بالحاجة إلى تعزيز الروابط الهادفة بين الفن والعلوم الإنسانية في المناهج الدراسية والبحث والممارسة، بالإضافة إلى توفير فرص للمجتمع للتفاعل مع الفن بشكلٍ يومي.
ومن بين الفعاليات الفنية البارزة التي شهدها المنتدى تنظيم محاضرة للكاتب المصري الكندي الحائز على جوائز عمر العقاد، وهو مؤلف رواية “الحرب الأمريكية”، التي يستكشف فيها مستقبلًا دمرته ظاهرة تغيّر المناخ. كما شمل المنتدى معرضاً فنياً تجريبياً بعنوان “البحث عن القوة”، ألقى الضوء على التاريخ المعقد لانقطاع التيار الكهربائي في لبنان. ويروي المعرض مسار الصراعات المتعددة في لبنان حول الكهرباء، وأثر التاريخ الاستعماري، وتصرفات القيادات السياسية، بالإضافة إلى تأثيرات أنشطة المقاومة والحركات المسلحة وصراع البقاء اليومي.
كما تضمن برنامج المنتدى الفني عروض “الطاقة على الشاشة” مع صانعي الأفلام وعرضًا موسيقيًا قدّم “صوتنة” لسلسلة درجات الحرارة العالمية، لعرض نطاق تغير المناخ وجغرافيته ومدى إلحاحه من خلال الموسيقى بدلاً من الخرائط أو الرسوم البيانية.
ويمكن لزوار متاحف مشيرب مواصلة زيارة الأعمال الفنية التي تعرضها جامعة جورجتاون في قطر بمناسبة منتدى ثقافات الطاقة العالمية حتى 27 يناير 2024.
رؤى أكاديمية
أثيرت العديد من المواضيع الرئيسية خلال الجلسات الأكاديمية، بما في ذلك العلاقة بين الهندسة المعمارية والطاقة، إذ سلطت النقاشات الضوء على الجهود المبذولة لتصميم مناطق عمرانية متناغمة مع الاحتياجات اليومية من الطاقة. كما درست الجلسات موضوع العلاقة بين الطاقة والديمقراطية، وموضوعات أخرى منها “كيف شكلت الطاقة التحولات الاقتصادية”، و”الطاقة والبنية التحتية العمرانية”، ودور العمال في تصور ممارسات الطاقة العادلة، وخاصة تلك الموجودة في صناعات الوقود الأحفوري، وعولمة الأنثروبوسين، وهو العصر الذي بدأت فيه ممارسات استخراج البشر للطاقة في تحديد مصير الكوكب.
ومن خلال تقديم منظورٍ فريدٍ من نوعه حول الجغرافيا السياسية المعاصرة، ضمت الجلسة العامة الختامية خبراء إقليميين ناقشوا التأثير بعيد المدى لاستخدام السلاح للوصول إلى الطاقة، والتكاليف البشرية والبيئية لتدمير البنية التحتية للطاقة في غزة. ضمت الجلسة كل من الدكتور سامي هرمز من جامعة نورتويسترن في قطر، والدكتورة نورة الخليلي من جامعة رادبود، والدكتورة منى الدجاني من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، والدكتور مازن قمصية من متحف فلسطين للتاريخ الطبيعي، وكشفت عن الروابط التاريخية بين الطاقة وموازين القوى في العالم.
وفي هذا السياق، قالت زهرة بابار، المدير المشارك لشؤون البحوث بمركز الدراسات الدولية والإقليمية: “لقد أخذنا هذا المنتدى على وجه الخصوص إلى أبعد مما هو مرجو من مؤتمراتنا الأكاديمية التقليدية، مما يعكس التزامنا طويل الأمد برفع الوعي العام من خلال التعاون المثمر”. وأضافت: “لقد أضاف اختيار البيوت التراثية في مشيرب قلب الدوحة خلفية ثقافية وتاريخية عميقة لمناقشاتنا. ونحن ممتنون لزملائنا في متاحف مشيرب لتزويدنا بهذه المساحة الرائعة”.
اختتم المنتدى سلسلة مؤتمرات “حوارات” المميزة لفصل الخريف من جامعة جورجتاون في قطر. وقد سهّلت السلسلة، منذ إطلاقها في سبتمبر، إقامة حوارات متعدد التخصصات وذات طابع إقليمي، وإشراك أفراد المجتمع في مواضيع مثل الذكرى العشرين لغزو العراق، والإسلاموفوبيا، والتحديات المستقبلية التي تواجه أفغانستان، ومستقبل الأمن المائي في منطقة الخليج. وساهمت المؤتمرات في إبراز وجهات نظر من داخل المنطقة ومن جميع أنحاء العالم. ومن المتوقع عقد سلسلة مؤتمرات حوارات القادمة في بداية عام 2024.
بينما تستعد جامعة جورجتاون في قطر للموسم القادم من سلسلة مؤتمرات حوارات، تظل الجامعة ملتزمة بتعزيز منصة شاملة لدراسة القضايا العالمية الملحة من خلال الحوار، بهدف تحليل ومناقشة التحديات وأيضًا رسم الحلول القابلة للتنفيذ التي تساهم في إحداث تغيير إيجابي.