زار الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، الولايات المتحدة الأميركية برفقة وفد “صغير” ولمدة يوم واحد، وعقد مباحثات مع الرئيس جو بايدن، ركزت على قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان وأزمة المناخ والعلاقات التجارية، دون الإعلان عن اتفاقات أو صفقات مشتركة.
على الجانب الآخر، وفي شهر أبريل الماضي زار دا سيلفا الصين، حيث استغرقت زيارته ثلاثة أيام برفقة وفد أوسع ضم عشرات من قادة الأعمال وحكام الولايات. كانت حصيلة تلك الزيارة نحو 20 اتفاقية بقيمة 10 مليارات دولار.
تعكس هذه المقارنة حقيقة تصاعد النفوذ الصيني في أميركا اللاتينية، وهي واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، والتي عادة ما توصف بكونها “الحديقة الخلفية لواشنطن”، في مقابل تراجع أميركي واضح عن تلك المنطقة، وإحجام عن عديد من الصفقات التجارية والاستثمارية من جانب شركات أميركية وأوروبية، وبما يعزز من حضور الصين في واحدة من ساحات الحرب الباردة الجديدة بين القوى الكبرى.
ومن البرازيل حيث دا سيلفا الذي قال إنه لا يمكن لأحد عرقلة علاقات بلاده مع بكين، إلى “الإكوادور” التي ضربت هي الأخرى نموذجاً واضح الدلالة على حجم الحضور الصيني. فقد وقعت كيتو أخيراً صفقة تجارية مع الصين، كما سبق وأن حصلت على 1.4 مليار دولار من بكين العام الماضي لتخفيف الدين.
تقرير لصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية اعتبر أن تجربة “الإكوادور” مع الصين “تُظهر كيف تخاطر الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى بفقدان المزيد من الأرض في أميركا اللاتينية لصالح بكين، ما لم تتمكن واشنطن من تقديم فرص تجارية واستثمارية أفضل”.
▪ تعد الصين أكبر شريك تجاري لأميركا اللاتينية.
▪ ارتفعت التجارة الصينية مع دول أميركا اللاتينية من 12 مليار دولار في العام 2000 إلى 495 مليار دولار في العام 2022.
▪ أبرمت شيلي وكوستاريكا وبيرو اتفاقيات تجارة حرة مع بكين، ووقعت الإكوادور اتفاقها هذا الشهر، كما تخطط بنما وأوروغواي لاتفاقيات أخرى.
▪ ومع ذلك، استبعدت الإدارة الأميركية الاتفاقيات التجارية الجديدة، ما أحبط دول أميركا اللاتينية.
▪ كما أمضى الاتحاد الأوروبي 20 عاماً في التفاوض على اتفاقية تجارة حرة مع كتلة أميركا الجنوبية ميركوسور لكنه لم يصادق عليها بعد.
وبينما تسعى الصين لتعزيز نفوذها في هذه المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة لها في سياق المنافسة الاقتصادية والسياسية مع الولايات المتحدة، فإن الأخيرة تُخاطر بخسارة المزيد من مناطق النفوذ، باتخاذ خطوات للوراء، عبّرت عنها بشكل واضح سلسلة الانسحابات من جانب بعض الشركات الأوروبية والأميركية من المنطقة، بينما ينتهز الصينيون الفرصة كبديل مناسب.
▪ قطاعات عديدة شهدت انسحاب الاستثمارات الأميركية والغربية من أميركا اللاتينية، من بينها (الطاقة المتجددة والمعادن الرئيسية).
▪ شركة Duke Energy (شركة أميركية قابضة للغاز الطبيعي والطاقة الكهربائية، مقرها الرئيسي في شارلوت بولاية نورث كارولينا) باعت 10 سدود لتوليد الطاقة الكهرومائية في البرازيل لشركة Three Gorges Power الصينية في 2016، لتركز الأولى على السوق المحلية.
▪ شركة Nutrien الكندية باعت حصتها البالغة 24 بالمئة في شركة SQM في تشيلي، وهي أحد أكبر منتجي الليثيوم في العالم، إلى شركة صينية في العام 2018.
▪ شركة Enel الإيطالية أعلنت الشهر الماضي عن أنها ستبيع أصولها مقابل 2.9 مليار دولار لشبكة الطاقة الصينية الجنوبية.
▪ باعت شركة Naturgy الإسبانية شركة توزيع الطاقة في تشيلي للصينيين في العام 2020.
▪ فورد تدرس بيع أحد مصانعها هناك لشركة BYD الصينية لتصنيع السيارات الكهربائية.
حرص لاتيني على توسيع التحالفات
الاستاذ في الجامعة الأميركية بواشنطن، المتخصص في سياسة الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية، إريك هيرشبرغ، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “بغض النظر عما إذا كانت لديها اتفاقيات تجارية مع الولايات المتحدة، فإن حكومات أميركا اللاتينية ستظل في معظمها حريصة على توسيع العلاقات الاقتصادية مع الصين”.
▪ استطاعت الصين من جانبها أن تُحقق مزيداً من الاختراقات المؤثرة من خلال سلسلة التمويلات التي تُقدمها لدول المنطقة.
▪ استهدفت تلك التمويلات في المقام الأول “البنية التحتية”، من خلال بناء طرق وجسور ومطارات.
▪ أكثر من 136 مليار دولار قدمتها بكين لحكومات أميركا اللاتينية والشركات الحكومية هناك منذ العام 2005.
▪ أكثر من 20 دولة من أميركا ومنطقة البحر الكاريبي مُنضمة لمبادرة الحزام والطريق الصينية.
بينما على الجانب الآخر، فإن تركيز واشنطن، طبقاً لتقرير الفاينانشال تايمز، كان على ملفات الفساد والديمقراطية والبيئة وحقوق الإنسان ومخاطر التعامل مع الصين. فيما تعهدت مبادرة البوابة العالمية للاتحاد الأوروبي، بتقديم 3.5 مليار دولار “فقط” لأميركا اللاتينية.
من بين نقاط الحديث بين الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية ، طلب لتجنب شبكات الهاتف 5G التي بنتها شركة هواوي الصينية، والتي تفرضها واشنطن عقوبات عليها – لكن البدائل الأمريكية والأوروبية لهواوي غالباً ما تكون أكثر تكلفة.
وإلى ذلك، يشير الباحث في العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، المتخصص في شؤون أميركا اللاتينية، محمد عطيف، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “إن منطقة أميركا اللاتينية هي مسرح تنافس بين القوى الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة والصين، وفي ضوء التغيرات التي تشهدها منظومة الاقتصاد العالمي، تتسارع وتيرة تلك المنافسة من أجل بسط النفوذ والاستحواذ على أسواق تلك المنطقة كما يحدث في مناطق أخرى في أفريقيا وآسيا”.
ويتابع: “تُعد أميركا اللاتينية الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، وتمثل أهمية استراتيجية خاصة (..)”، موضحاً أن الاقتصاد يمثل الركيزة الأساسية للسياسة الخارجية لدول المنطقة، والتي تحظى بتبادلات اقتصادية مختلفة مع عددٍ من الأطراف الإقليمية والدولية، في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة لبسط نفوذها الاقتصادي، لكنها تصطدم بالصين كقوة عظمى تحاول هي الأخرى تعزيز نفوذها من خلال إبرام عديد من الاتفاقات مع الدول اللاتينية.
ويضيف عطيف: “تضم أميركا الجنوبية مجموعة من الدول التي تحظى بمكانة اقتصادية مُهمة، كالأرجنتين وتشيلي والمكسيك وحتى البرازيل”، موضحاً أن بكين تربطها علاقات وطيدة مع بعض تلك الدول لمزاحمة واشنطن في هذا الصدد وإبعادها عن المنطقة في سياق التنافس الاستراتيجي بين القوتين، مستدلاً على ذلك بتكتل “البريكس” الذي تشارك فيه البرازيل إلى جانب الصين (وهو التكتل الذي ينافس مجموعة السبع).
ويوضح المتخصص في شؤون أميركا اللاتينية، في معرض حديثه مع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن ثمة تغيرات في التوجهات السياسية الخارجية لبعض دول المنطقة، بحيث تحاول أن تقوم بربط علاقاتها الاقتصادية مع الصين (باعتبار الاقتصاد المحرك الرئيسي، بعيداً عن المعايير السياسية)، وبحكم أن بكين قوة استراتيجية هائلة، وترى دول لاتينية أن المستقبل مع الصين والتي قد يكون لها مكان الريادة الاقتصادية، وبالتالي يأتي الانفتاح اللاتيني على بكين للاستفادة من التجارب الاقتصادية للأخيرة من الناحية التنموية وغيرها من الأمور، وهناك عديد من الشركات الصينية التي تستثمر في المنطقة.